كندا عند مفترق طرق سياسي: استقالة ترودو وصعود الشعبوية المحافظة
مقال رأي سياسي
عمر الشيخ
1/18/2025


كندا عند مفترق طرق سياسي:
استقالة ترودو وصعود الشعبوية المحافظة
تمر كندا بتحول سياسي جذري بعد استقالة رئيس الوزراء جاستن ترودو. فبعدما كان يُنظر إليه كرمز للتقدمية على الساحة العالمية، باتت قيادته في السنوات الأخيرة تحت مجهر الانتقاد، مما أدى في النهاية إلى تنحيه. هذا الحدث المحوري أثار نقاشات حول المسار السياسي الذي ستتبعه البلاد، خاصة مع ظهور بيير بويليفر وحزب المحافظين كقوة سياسية صاعدة. والسؤال الكبير الآن: هل تتجه كندا نحو تبني الشعبوية المحافظة كما حدث في الولايات المتحدة تحت قيادة دونالد ترامب؟
تراجع ترودو: أزمة تراكمية
بدأت فترة جاستن ترودو كرئيس للوزراء عام 2015 بموجة من التفاؤل والوعود. سياساته التقدمية في مجالات مثل تغير المناخ والهجرة والمساواة الاجتماعية أكسبت كندا إعجاباً عالمياً. ولكن، كشفت السنوات الأخيرة عن ثغرات كبيرة في قيادته، مما أدى إلى تآكل الثقة الشعبية بحكومته.
الاقتصاد الكندي بعد جائحة كوفيد-19 أصبح نقطة ضعف رئيسية. فقد شهدت البلاد ارتفاعاً حاداً في معدلات التضخم والبطالة، إلى جانب ارتفاع أسعار المساكن. هذه التحديات الاقتصادية كشفت محدودية سياسات ترودو الاقتصادية، مما زاد من استياء المواطنين.
الأزمة الصحية كانت أيضاً عاملاً مهماً في تقويض إدارة ترودو. فقد عانى النظام الصحي الكندي من أوقات انتظار طويلة ونقص في الكوادر وتحديات تنظيمية. ورغم أن هذه المشاكل ليست جديدة، فإن فشل ترودو في تقديم إصلاحات فعالة أضعف صورته كقائد قادر على إدارة الأزمات الأساسية.
أما الضربة القاضية فجاءت من الولايات المتحدة. ففوز دونالد ترامب المفاجئ في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة أعاد إحياء الحركات المحافظة في العالم، بما في ذلك كندا. والعلاقة المتوترة بين ترودو وترامب خلال فترة رئاسة هذا الأخير الأولى، والتي تخللتها خلافات حادة بشأن التجارة والإنفاق الدفاعي والدبلوماسية الدولية، أعادت إثارة المخاوف بشأن تأثير السياسات الأمريكية على كندا، مما وضع ضغوطاً إضافية على حكومة ترودو.




المستقبل: شعبوية أم براغماتية؟
بينما يشير صعود بويليفر إلى احتمال تحول نحو الشعبوية المحافظة، فإن المشهد السياسي والثقافي في كندا يظل مختلفاً عن الولايات المتحدة. فالتمثيل النسبي في البرلمان، وتنوع الناخبين، وشبكة الأمان الاجتماعي القوية قد تكون عوامل تحد من تأثير الشعبوية المتطرفة. ومع ذلك، فإن الضغوط الاقتصادية والاستقطاب المتزايد قد تتسبب في تآكل هذه الحواجز.
قدرة بويليفر على إدارة هذا التحول ستعتمد على تحقيق توازن بين الخطاب الشعبوي والحكم البراغماتي. فمن جهة، يحتاج إلى معالجة إحباطات الناخبين الذين يشعرون بأن النظام الحالي قد خذلهم. ومن جهة أخرى، عليه تجنب تنفير المعتدلين والتقدميين الذين قد يخشون أجندة سياسية مستوحاة من ترامب.
لحظة مفصلية للسياسة الكندية
استقالة ترودو تمثل نهاية عصر في السياسة الكندية، لكنها تفتح أيضاً الباب أمام فترة من عدم اليقين السياسي والاجتماعي في كندا. الفصل القادم من تاريخ البلاد سيعتمد على قدرتها على معالجة التحديات الاقتصادية والاجتماعية الملحة، مع الحفاظ على التزامها بالتنوع والشمولية والديمقراطية.
انتخاب بويليفر "المحتمل" قد يجلب تغييرات كبيرة في السياسات، مع التركيز على تقليل اللوائح، وخفض الضرائب، وتشديد ضوابط الهجرة. ومع ذلك، قد تحد التقاليد السياسية العريقة في كندا من صعود الشعبوية، مما يضمن أن أي تحول سيبقى ضمن حدود نظامها البرلماني.
على أعتاب هذا المنعطف، يبقى الأمر واضحاً: مستقبل كندا السياسي لن يُحدد من خلال قادة الأحزاب والآيديولوجيات فقط، بل أيضًا من خلال الإرادة الجماعية لشعبها. وسواء كان ذلك يعني التوجه نحو الشعبوية المحافظة أو إعادة إحياء الحكم البراغماتي التفاعلي، فإن مستقبل سيادة البلاد سيظل على المحك.
بيير بويليفر وصعود المحافظين
برز بيير بويليفر، زعيم حزب المحافظين الكندي، كأبرز المرشحين لخلافة ترودو. خطاب بويليفر يجذب شريحة متزايدة من الكنديين الذين يشعرون بالإحباط من سنوات الحكم الليبرالي. فبرنامجه السياسي يركز على النمو الاقتصادي، وتقليل الإنفاق الحكومي، ومعالجة أزمة الإسكان، وهي قضايا تشكل صميم التحديات التي واجهتها إدارة ترودو.
وعلى عكس قادة المحافظين التقليديين، استفاد بويليفر من قوة الخطاب الشعبوي. انتقاداته للنخب والمؤسسات البيروقراطية الفيدرالية تعكس إلى حد كبير أسلوب ترامب، مما يجذب الناخبين الذين يشعرون بالتهميش من النظام السياسي القائم. كما أن استخدامه الفعال لوسائل التواصل الاجتماعي وقدرته على التواصل مع الناخبين الشباب الذين يعانون من ارتفاع تكاليف المعيشة والبطالة يعزز من شعبيته.
صعود بويليفر يعكس أيضاً اتجاهاً عالمياً أوسع. فقد اكتسبت الشعبوية المحافظة، التي تتسم بالتشكيك في المؤسسات التقليدية والتركيز على الهوية الوطنية، زخماً في العديد من الديمقراطيات. فوز ترامب عزز من هذه الحركات، وكندا قد لا تكون بمنأى عن هذا الاتجاه الأيديولوجي.