استهداف حماس في الدوحة.. هل دخلت إسرائيل مرحلة جديدة في استراتيجية الردع؟

مقال رأي سياسي

عمر الشيخ

9/14/2025

استهداف حماس في الدوحة..

هل دخلت إسرائيل مرحلة جديدة في استراتيجية الردع؟


لم يكن استهداف وفد حركة حماس في الدوحة في التاسع من سبتمبر الجاري حدثاً عابراً يمكن عزله عن السياق الإقليمي المتوتر، بل هو مؤشر على تحولات كبرى في معادلة القوة داخل الشرق الأوسط. فالضربة جاءت بعد سلسلة عمليات إسرائيلية امتدت خلال الأشهر السبع الأخيرة لتطال ست دول في الشرق الأوسط، (سوريا، لبنان، العراق، إيران، اليمن، وأخيرًا قطر) ما يعكس إصراراً إسرائيلياً على توسيع مفهوم "الدفاع الاستباقي" إلى نطاق عابر للحدود، يتجاوز فلسطين ولبنان وسوريا ليشمل عواصم اعتادت أن تُصنّف في خانة “المحايدة” أو “الوسيطة”.

الموقف الأمريكي: تسامح أم تفويض ضمني؟

رغم إدانات لفظية محدودة، بدت الإدارة الأمريكية أكثر تسامحاً مع الضربة الإسرائيلية، بل إن تسريبات صحفية أشارت إلى أن واشنطن كانت على علم مسبق بالعملية، وتغاضت أو حتى أعطت الضوء الأخضر. هذا الصمت الأمريكي يعيدنا إلى ما يسميه المفكر السياسي جون ميرشايمر في نظرية "الواقعية الهجومية" بـ”التواطؤ البنيوي”، حيث تسمح القوى العظمى لحلفائها الإقليميين بممارسة أقصى درجات العنف طالما أنها لا تهدد التوازن الاستراتيجي العالمي.

وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر كان قد قال يوماً إن “إسرائيل ليست مجرد حليف، بل أداة لإعادة تشكيل الشرق الأوسط بما يتناسب مع المصالح الأمريكية”، وهو تصريح يظل صالحاً لفهم الموقف الأمريكي الحالي: دعم ضمني، مع تجنب الانخراط العلني في التبعات.

لكن، هل يمكن أن يكون هذا على حساب دول تعد صديقة أو حليفة؟

قطر: الدولة الوسيط بين الحرج والخيارات الصعبة

على الجانب الآخر، وجدت قطر نفسها في موقف بالغ الحرج. فهي من المنظور الأمريكي الواقعي ليست ـ كما قد يُظن ـ حليفاً استراتيجياً للولايات المتحدة، بل هي أقرب إلى ما يصفه علماء السياسة بـ”الدولة الوظيفية”، أي الدولة التي تؤدي دوراً محدداً ضمن شبكة النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط. فالدول الحليفة يجب أن تكون على قدر من الندية والتساوي في الوزن والقوة، كما يرى الواقعيون والنقديون السياسيون.


فلكي تُعتبر دولة ما “حليفاً” حقيقياً، يجب أن تملك قدرة مستقلة على التأثير أو فرض كلفة على الطرف الآخر، سواء عبر القوة العسكرية (تركيا داخل الناتو)، أو الأهمية الاقتصادية (ألمانيا في أوروبا)، أو الموقع الجغرافي الحرج (باكستان بالنسبة للصين وأمريكا).


بكلمة أخرى: في العلاقات الدولية، “الحليف” ليس من يعلن الصداقة أو الولاء، بل من يفرض معادلة ندّية نسبية حتى على القوة الكبرى. وهذا ما لا ينطبق على الكثير من دول المنطقة ولا يُعاب عليهم.

ورغم صرامة الرد القطري الرسمي، بدعوة عاجلة لقمة عربية - إسلامية للنظر في التطورات الجارية، وتلويح وزير خارجيتها بإمكانية البحث عن شركاء استراتيجيين آخرين إذا لم تستطع واشنطن حمايتها من إسرائيل، فإن الواقع يضع الدوحة أمام معادلة صعبة:


إما الاستمرار في لعب دور الوسيط، مع تهديدات مباشرة لقادة حماس على أراضيها.

أو الانسحاب من الوساطة تحت الضغط، وربما مطالبة قيادات الحركة بمغادرة البلاد حفظاً لسلامتهم.

وهذا الخيار الأخير سيُفقد قطر ورقة تفاوضية رئيسية عززت مكانتها الإقليمية لعقود.


إسرائيل واستراتيجية فرض القوة على العواصم


إذا كانت الضربة في الدوحة قد حملت رسائل لإيران وحزب الله وحماس، فإنها في جوهرها تعكس مرحلة جديدة في التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي: مرحلة أسميها "مرحلة فرض القوة على العواصم".

أي أن أمن إسرائيل لم يعد يقف فقط عند حماية حدودها الجغرافية، بل بات مرتبطاً بالقدرة على ضرب أي تهديد محتمل أينما كان وفي العلن. وهذا ما يتسق مع ما يسميه المفكر السياسي باري بوزان في الدراسات الأمنية بـ”الأمن الإقليمي المتشابك”، حيث تُعاد صياغة خطوط الدفاع بعيداً عن الدولة نفسها.



مستقبل قادة حماس في الدوحة


المستقبل - بكل صراحة - يبدو ضبابياً. فوجودهم في قطر كان قائماً على معادلة حماية سياسية ودبلوماسية توفرها الدوحة بضوء أخضر أمريكي. لكن بعد هذه الضربة، قد يصبح وجودهم عبئاً على الأمن الوطني القطري. وفي ظل استمرار الضغط الإسرائيلي، قد يُطلب من قادة حماس البحث عن ملاذ جديد، ربما في دول أبعد عن مجال النفوذ الإسرائيلي المباشر مثل تركيا أو ماليزيا، وإن كان هذا الخيار محفوفاً بتحديات أمنية ودبلوماسية كبيرة.



خلاصة الحديث..


يمكن القول إن الضربة الإسرائيلة في العاصمة القطرية لم تكن مجرد عملية عسكرية، بل إعلان غير مباشر بأن إسرائيل باتت ترى نفسها قادرة على فرض قواعد جديدة للعبة في كل عواصم الشرق الأوسط، حتى تلك التي كانت تُحسب على معسكر “الأصدقاء”. أما قطر، فهي أمام لحظة اختبار حقيقية ستكشف ما إذا كانت قادرة على إعادة صياغة موقعها، أم أنها ستظل أسيرة لوظيفتها في الاستراتيجية الأمريكية، ولعلنا ننتظر ما ستتمخض عنه القمة العربية - الإسلامية المنعقدة في الدوحة.