الشرق على صفيح ساخن.. هل باتت الحرب على إيران وشيكة؟
مقال رأي سياسي
عمر الشيخ
6/12/2025


الشرق على صفيح ساخن..
هل باتت الحرب على إيران وشيكة؟
تشهد منطقة الشرق الأوسط منذ أيام تصعيدًا متسارعًا ينذر باقتراب مواجهة عسكرية شاملة قد تندلع شرارتها الأولى في طهران، ولكنّ من يُشعل الفتيل - على ما يبدو - ليس إلا إسرائيل، وتحديدًا في ظل القيادة المتطرفة لبنيامين نتنياهو. إنّ التطورات الأخيرة، بما في ذلك سحب الولايات المتحدة لعائلات الدبلوماسيين والعسكريين من عدد من القواعد والسفارات في الخليج والعراق، تمثل مؤشرًا خطيرًا لا ينبغي التقليل من دلالاته، بل يؤكد ما سبق أن نبهتُ إليه في مقالات سابقة، حين توقعت أن تندفع حكومة نتنياهو في مغامرة عسكرية ضد إيران، تجرّ الولايات المتحدة معها إلى حرب لا ترغب فيها، ولكن قد لا تجد سبيلاً لتفاديها.
قراءة في السياق الاستراتيجي المتأزم
شهدنا خلال الساعات الماضية إعلان وزارة الدفاع الأميركية عن “إعادة طوعية” لعائلات العسكريين المنتشرين في مناطق عدّة من الشرق الأوسط، في الوقت الذي أصدرت فيه وزارة الخارجية تعليمات بمغادرة موظفي السفارات غير الأساسيين في بغداد وأربيل والكويت. هذه التحركات لا تأتي في فراغ، بل في سياق تصعيد خطابي وتحركات ميدانية تشير إلى أن قرارًا ما يتم اتخاذه خلف الكواليس.
من جهة أخرى، صدرت تصريحات عن مسؤولين إيرانيين تُحذر من أن “أي ضربة إسرائيلية على منشآتنا النووية ستواجه برد قاسٍ”، فيما نقلت وسائل إعلام إيرانية عن الحرس الثوري تأكيده أنّ “قواعد الولايات المتحدة في قطر والبحرين والعراق ضمن نطاق الاستهداف”.
إسرائيل وتصدير الأزمة الداخلية إلى الخارج
منذ عودته إلى الحكم، يسعى بنيامين نتنياهو إلى تصدير أزماته الداخلية - من فساد وانقسام سياسي غير مسبوق - إلى الخارج. ومن منظور أكاديمي، تقول نظرية “تحويل الصراع” (Diversionary War Theory) في العلوم السياسية، إنه غالبًا ما تلجأ القيادات المتأزمة داخليًا إلى خوض حروب خارجية لصرف الانتباه وتوحيد الصف الوطني خلف راية “الأمن القومي”.
في ضوء هذه النظرية، تبدو "الضربة الوقائية" الإسرائيلية على المنشآت النووية الإيرانية ممكنة جدا بل مرجّحة، خاصة وأن نتنياهو يملك سجلًا طويلًا من محاولات استدراج واشنطن إلى مثل هذه المواجهة. ومن يتابع خطاباته السياسية الأخيرة، يلحظ أن الرجل قد تجاوز حدود ما يعرف بسياسة “الردع العسكري” التي تبنتها الحكومات الاسرائيلية السابقة، إلى مرحلة استراتيجية “ المبادرة والهجوم الاستباقي”، مستندًا إلى قناعة مفادها أن واشنطن لا تستطيع ترك حليفتها الإقليمية الكبرى تخوض المواجهة منفردة.
الولايات المتحدة بين الحذر والانجرار القسري
تدرك الإدارة الأميركية الحالية أن خوض حرب شاملة مع إيران لا يصب في مصلحتها الاستراتيجية، خصوصًا في ظل رغبتها في الانسحاب التدريجي من بؤر التوتر وإعادة التمحور نحو شرق آسيا لمواجهة النفوذ الصيني. ومع ذلك، فإن أي ضربة إسرائيلية لإيران لن تترك مجالًا كبيرًا للبيت الأبيض للوقوف موقف المتفرج، خصوصًا إذا تعرّضت المصالح أو القوات الأميركية في المنطقة لرد إيراني مباشر.
الإدارة الأميركية، إذن، تعيش لحظة “معضلة الحليف” (Ally Dilemma): فهي لا ترغب في الحرب، ولكنها لا تستطيع التخلي عن إسرائيل. وهذا ما يفسّر الحشودات العسكرية الأميركية في الخليج خلال الأيام الأخيرة، وحالة الاستنفار في قواعد قطر والكويت والعراق.
سيناريوهات مفتوحة على الكارثة
إذا اندلعت الحرب، فلن تبقى محصورة بين إسرائيل وإيران. إن استمرار النزاع سيجذب لاعبين دوليين وإقليميين، أبرزهم روسيا والصين، اللتان ترتبطان بتحالفات استراتيجية مع طهران، سواء في مجال الطاقة أو التعاون العسكري والتقني.
وقد عبّرت موسكو مرارًا عن رفضها لأي اعتداء على إيران، ملوّحة بتحرك في مجلس الأمن. أما الصين، التي تحصل على أكثر من 30% من وارداتها النفطية من الخليج، فلن تبقى على الهامش إن تعرّضت مصادر الطاقة أو خطوط الملاحة في مضيق هرمز لأي تهديد. ووفقًا لتقرير صادر عن معهد ستوكهولم لأبحاث السلام (SIPRI)، فإنّ الصين ضاعفت من استثماراتها الدفاعية والبحرية في المحيط الهندي والخليج في السنوات الخمس الأخيرة بنسبة 42%.
من جهة أخرى، من غير المستبعد أن تتدخل جماعات مسلّحة حليفة لطهران مثل حزب الله أو الحوثيين في جبهات مساندة، مما يعني أن الحرب المقبلة قد تتخذ شكل “حرب متعددة الجبهات”، أشبه بما عرفته أوروبا في الحرب العالمية الأولى.
تحذيرٌ لمن لا يرى!
ما يجري اليوم ليس مناورات سياسية معتادة، بل خطوات ملموسة نحو حرب قد تندلع في أي لحظة. وقد كتبت في مقالات سابقة - نُشرت خلال العامين الماضيين - منوِهًا إلى سعي نتنياهو إلى جرّ الولايات المتحدة نحو مواجهة مباشرة مع إيران عبر خلق “حالة لا رجعة فيها”. واليوم ربما نحن على بعد أيام من أن نشهد تبلور هذه النبوءة ميدانيًا.
إن اللحظة الراهنة تستدعي من المجتمع الدولي -الميت سريريا منذ سنوات- تحركًا عاجلًا لوقف الانزلاق نحو الكارثة. فإنه إذا ما تُركت الأمور رهينة التهور السياسي الذي يقوده نتنياهو، والتخبط الذي تعيشه الولايات المتحدة الأمريكية في ظل حكومة ترامب، فإنّ الشرق الأوسط سيكون أمام مرحلة جديدة من الدمار، قد تكون أشدّ فتكًا من غزو العراق 2003 واجتياح لبنان 1982.
إنّ الحرب المقبلة، إن وقعت، فلن تكون خاطفة كما يتصور نتنياهو، ولن تكون محصورة كما يتمنى ترامب وبعد قادة الدول العربية، بل ستكون ذات طابع استراتيجي طويل الأمد يعيد تشكيل موازين القوى في المنطقة والعالم.
والعاقل من قرأ الخرائط قبل أن تتفجّر الحروب، لا بعد اشتعالها.