اغتيال خامنئي .. هل ينهي الحرب أم يفتح أبواب الفوضى الجيوسياسية؟
مقال رأي سياسي
عمر الشيخ
6/17/2025


اغتيال خامنئي ..
هل ينهي الحرب أم يفتح أبواب الفوضى الجيوسياسية؟
في لحظة فارقة من التصعيد الإقليمي، ألقت كلمات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال قمة الطوارئ الأمنية بظلالها الثقيلة على المشهد. حين وصف المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي بـ"رأس الأفعى" مشيراً إلى ضرورة "قطعه ليوقف السم عن التدفق"، لم يكن ذلك مجرد خطاب سياسي عابر، بل كان بمثابة إشارة استراتيجية ذات دلالات جيوسياسية عميقة. هذا التلميح الصريح لاستهداف رأس النظام الإيراني يفتح ملفاً بالغ التعقيد: هل تُعدّ القوى الغربية وإسرائيل لمرحلة جديدة من استراتيجية "تغيير النظام" (Regime Change) عبر ضربة قاضية؟ وهل يمكن لمثل هذا الفعل الجراحي، الذي يُعدّ سابقة خطيرة في القانون الدولي والعلاقات بين الدول، أن يحقق الاستقرار المزعوم؟ أم أن تفكيك رأس الهرم في نظام شمولي عميق الجذور سيؤدي إلى انهيار هيكلي (Structural Collapse) وفوضى عارمة تتجاوز الحدود الإقليمية؟ هذا التحليل يتعمق في السيناريوهات المحتملة، مستخدماً أدوات الفكر السياسي لفهم تبعات مثل هذا الحدث المفصلي.
الفرضية الاستراتيجية المُبَسَّطة: رهان على الهشاشة؟
تشير تسريبات استخباراتية أوروبية إلى مناقشات أميركية-إسرائيلية غير رسمية حول "السيناريو الإيراني ما بعد خامنئي". تبدو الفرضية الأساسية التي يستند إليها البعض في هذه الدوائر شديدة التبسيط، حيث تفترض مساراً خطياً يقود إلى الاستقرار:
الاغتيال (Assassination) ← ارتباك داخلي (Internal Disarray) ← صعود بدائل (Emergence of Alternatives) ← وقف التصعيد (De-escalation).
هذا النموذج يتجاهل، بشكل خطير، الطبيعة المعقدة للنظام الإيراني كنظام هجين (Hybrid Regime) بنى على مدى عقود بنية سلطوية عميقة (Deep Authoritarian Structure) وشبكة من المؤسسات الأمنية والعسكرية والعقائدية المترابطة.
خامنئي ليس مجرد فرد، بل هو رمز وقائد لنظام اكتسب مرونة هيكلية (Structural Resilience) وقدرة على التكيف وإعادة التنظيم حتى في ظلّ الضغوط الشديدة أو فقدان شخصيات محورية (كما حدث بعد مقتل قاسم سليماني). اغتياله قد لا يؤدي إلى فراغٍ فوري، بل إلى صراعٍ على الخلافة (Succession Crisis) داخل النخبة (Elite) أو تمكين فصائل أكثر تطرفاً داخل الحرس الثوري، مما يزيد من حالة عدم اليقين ويصعّب عملية الانتقال السلس للسلطة.
الرد الإيراني: استراتيجية الردع واللامركزية في التنفيذ؟
إذا ما تمّ الإقدام على خطوة اغتيال المرشد الأعلى، فإن الرد الإيراني سيُعدّ حدثاً فارقاً يهدف إلى إثبات القدرة على الردع (Deterrence) وربما الانتقام على مستوى استراتيجي. هذا الرد لن يقتصر على جبهة واحدة، بل سيُفعّل قدرات إيران المتنوعة، بما في ذلك شبكات الوكلاء (Proxy Networks) التي تُعدّ جزءاً أساسياً من عقيدتها الأمنية واستراتيجيتها في الصراع غير المتكافئ (Asymmetric Conflict). أبرز السيناريوهات المتوقعة للرد تشمل:
- استهداف البنية التحتية الحيوية (Critical Infrastructure) لدول الخليج، خاصة منشآت النفط في السعودية والإمارات، بهدف إحداث صدمة إمدادات (Supply Shock) في سوق الطاقة العالمي.
- شنّ ضربات مكثفة على القواعد العسكرية الأميركية في المنطقة باستخدام ترسانة الصواريخ والطائرات المسيرة كأداة لنشر القوة (Power Projection).
- تهديد وإغلاق نقاط الاختناق البحرية (Maritime Chokepoints) الاستراتيجية، مثل مضيقي هرمز وباب المندب، عبر القدرات البحرية الإيرانية ووكلائها (كالحوثيين في اليمن)، لتعطيل حركة التجارة العالمية كأداة ضغط جيوسياسي.
- تفعيل جبهات الصراع الإقليمي في لبنان والعراق واليمن عبر حروب الوكالة (Proxy Wars)، مما يحوّل المنطقة إلى ساحة صراع مفتوحة.


الأثر الاقتصادي العالمي:
عودة شبح صدمات الطاقة ومخاطر جيوسياسية غير مسبوقة؟
تُظهر التقديرات الاقتصادية (مثل تقديرات بلومبيرغ) أن أي تعطيل كبير لحركة الملاحة في مضيق هرمز أو باب المندب، ولو كان جزئياً، يمكن أن يدفع أسعار النفط إلى مستويات تاريخية تتجاوز 180 دولاراً للبرميل. هذا لا يعني فقط موجة تضخمية عالمية كبرى وتراجعاً في النمو الاقتصادي، بل يمثل صدمة جيوسياسية (Geopolitical Shock) تعيد إلى الأذهان أزمات الطاقة في السبعينيات، ولكن في سياق أكثر تعقيداً وتصادماً. المخاطر الجيوسياسية (Geopolitical Risks) المرتبطة بإغلاق الممرات المائية الحيوية وتوقف جزء من إنتاج النفط لا تقتصر على الطاقة، بل تمتد لتشمل سلاسل الإمداد العالمية وتؤثر على الأمن الاقتصادي للدول الكبرى.
الداخل الإيراني: هشاشة الدولة وتفكك النخبة؟
اغتيال المرشد الأعلى سيمثل صدمة للنظام الإيراني على المستوى الهيكلي والرمزي. على عكس الافتراضات المبسّطة، قد لا يؤدي ذلك بالضرورة إلى "ثورة" فورية، بل إلى صراع داخلي معقد على السلطة والنفوذ. التحديات الداخلية ستكون جسيمة:
- صراع النخب (Elite Conflict): اشتداد التنافس بين الأجنحة المحافظة والمتشددة داخل المؤسسات الرئيسية (رجال الدين الكبار، الحرس الثوري، السلطة القضائية) على خلافة المرشد وتحديد المسار المستقبلي للنظام.
- أزمة الشرعية (Legitimacy Crisis): فقدان الشخصية المركزية التي مثلت رمزاً للنظام منذ عقود سيفاقم من أزمة الشرعية الداخلية، خاصة في ظلّ تآكل العقد الاجتماعي (Social Contract) بين الدولة والمواطنين بسبب الأزمات الاقتصادية وقمع الحريات.
- هشاشة الدولة (State Fragility): قد يؤدي الصراع الداخلي وتصاعد الاحتجاجات الشعبية إلى إضعاف قبضة الدولة المركزية، مما يفتح الباب أمام تفكك محتمل في بعض مؤسساتها الأمنية أو تفاقم النزاعات الإثنية والمناطقية.
- التدخلات الخارجية (External Interventions): قد تسعى قوى خارجية إلى استغلال حالة الفوضى الداخلية لدعم فصائل معارضة أو جماعات انفصالية، مما يزيد من تعقيد المشهد ويغذي حالة عدم الاستقرار.
هل يؤدي تفكيك الهرم إلى استقرار أم إلى ارتداد استراتيجي؟
الرهان على أن "الضربة القاتلة" ضد رأس النظام الإيراني ستُسفر عن استقرارٍ أو تغييرٍ إيجابيٍ في سلوك طهران يبدو رهاناً عالي المخاطر ويستند إلى قراءة قاصرة للتاريخ الإقليمي ولطبيعة الأنظمة الاستبدادية العميقة. اغتيال قاسم سليماني، وهو شخصية ذات ثقل استراتيجي كبير، لم يؤدِّ إلى تراجع النفوذ الإيراني، بل إلى تعزيز شبكات الوكلاء وزيادة القدرة على التكيف. اغتيال المرشد قد يؤدي إلى ما يُعرف في الفكر الاستراتيجي بـ"الارتداد الاستراتيجي" (Strategic Blowback)، حيث تؤدي الضربة المزعومة إلى تبعات غير مقصودة ومدمرة تفوق المكاسب المرجوة.
إذا ما تحقق هذا السيناريو، فإن المنطقة والعالم سيواجهان مشهداً بالغ التعقيد والخطورة: اقتصاد عالمي مهدد بصدمات متتالية، ممرات مائية دولية معرضة للشلل، موجات نزوح واسعة، وانهيار محتمل لسلطة الدولة في إيران مع كلّ ما يعنيه ذلك من فوضى متوالية (Cascading Chaos) يصعب احتواؤها.
في غياب خطة شاملة ومدروسة لمرحلة "ما بعد الضربة"، فإن الهدف المزعوم بـ"قطع رأس الأفعى" لن يُحقق الاستقرار، بل قد يُطلق العنان لقوى وعوامل عدم استقرار كامنة ضمن بنية النظام الإيراني وفي شبكات نفوذه الإقليمي، لتضرب في كل اتجاه.
السؤال لم يعد استراتيجياً فقط: هل سينهي اغتيال خامنئي الحرب أم لا؟ بل أصبح وجودياً: هل سيبقى هناك من يمتلك القدرة أو الأدوات اللازمة لإيقاف دينامية التصعيد (Escalation Dynamic) وفقدان السيطرة (Loss of Control) التي قد تنتج عن هذا الحدث؟

